شبكة همس الشوق - من يدفع فاتورة مشاكلنا الزوجية

من يدفع فاتورة مشاكلنا الزوجية

أبنائك يا صاحبي هم من يدفعونها كاملة..!

- يدفعونها من استقرارهم النفسي، ونضجهم العاطفي، وتحصيلهم الدراسي، وتشتت ولائهم بين الأب والأم..

- يدفعونها في أحلام مزعجة، وانطواء، والشعور بالانتماء إلى محيط الخارج أكثر من محيط الأسرة.. في التبوّل اللاإرادي، وعقدة الذنب، وتحميل أنفسهم مسؤولية ما يحدث، وضعف ولائهم لكيان الأسرة، وخوفهم من المستقبل..

- وربما دفعوها مضاعفة حينما يترسخ في أذهانهم أن هذا هو الشكل الطبيعي للأسرة، فيتكرر ما يراه بين أبويه في تعامله المستقبلي مع شريك حياته..

- يدفعونها من روحهم عندما نتجرّأ ونُدخلهم طرفاً في الصراع، ونطلب منهم أن يختاروا أن ينصروا طرفاً على حساب الآخر..!

- لن أصدعك بأقوال علماء النفس عن خطورة المشكلات الزوجية على الأطفال، ولا عن الإحصائيات التي تتحدث عن عدد الأطفال الذين ضاعوا بسبب نشأتهم في بيت مليء بالمشكلات، فقط سأذكّرك بكلمة كثيراً ما تقولها :

«لا يوجد في حياتي من هم أهم من أبنائي، سأضحي إن اقتضى الأمر من أجلهم».

هل قلتها من قبل؟ كثيراً.. أليس كذلك؟؟؟

أقول لك: ابنك لا يريد منك أن تضحي بحياتك من أجله، هو يريدك أن تعيشها من أجله..

أن تعيشها وأنت تحافظ عليه، تحترم إنسانيته، تحافظ على بنائه النفسي، تُطمئنه، تسعده، ترعاه، تنمي لديه مشاعر الولاء والانتماء لأسرته التي تحبه وتحترمه وتخاف عليه.

أكاد أسمعك تعترض قائلاً: وهل من بيت ليس به مشكلات؟ هل من حياة زوجية ليس بها عراك ومناوشات وشد وجذب؟ هل من أسرة لا يقع بين أفرادها خلاف واختلاف عند تبادل للرأي؟ تشابك وصراع عند طرح وجهات النظر المختلفة ؟!

وأقول كل البيوت يحدث فيها ذلك، لكن - وهذا مربط الفرس
التحضر في التعامل في تلك الحالات لا يترك آثاره السلبية على أبنائنا، بل ربما إن أحسنّا إدارتها كانت فرصة لغرس شيء ما إيجابي في نفوسهم وتعليمهم قيمة مهمة تعينهم في إدارة حياتهم!

ها أنا أسمع سؤالك:
- وكيف يمكنني يا هذا تجنيب أبنائي المشكلات الزوجية كما تدّعي ؟!

حسناً .. سأتجاهل ما أشعر به من تحدٍّ في سؤالك، وسأطرح عليك مجموعة من الأفكار المهمة في هذا الشأن :

- أولاً :
الكرامة خط أحمر: احرص دائماً أثناء حوارك وخلافك مع شريك حياتك أن تحافظ على احترامه وكرامته، فلا تهكم، ولا صراخ، ولا تهديد، ولا اتهامات تلقيها عليه، أعطِ لأبنائك درساً أن الحب والتقدير لا يمنع وجود خلافات في الرأي، دور الحب يكون في تأثيره علينا كي ندير خلافنا بشكل حسن، لا في عدم وجود مشكلات، الحب يدفعنا إلى قول ما نراه ونؤمن به دون الخوف من رد فعل الطرف الآخر، سنعطي لأبنائنا درساً مهماً في أدب الخلاف حينما نحترم بعضنا، ولا نسمح أبداً للخلاف أن يُذهب ما بيننا من احترام وتقدير ..

- ثانياً :
هناك، فلتقل ما لا تستطيع منعه :
أقصد إذا كنت ممن لا يملكون القدرة على كبح لسانهم -وهذا مما يؤسف له- فلتكن نقاشاتك إذن خلف الأبواب المغلقة، وفي غرفة النوم، لا تدعْ أطفالك يسمعون كلامك القاسي ولا نبرتك الهجومية؛ لأن هذا مما يسرق البراءة والطفولة ..

- ثالثاً :
اعترف بأنك إنسان: والإنسان قد يخطئ مهما كان كبيراً، سواء كان أماً أو أباً، والاعتذار قيمة مهمة في الحياة، حاول أن تتمثلها إذا ما أخطأت أمام أطفالك، بأن تعتذر أمامهم.. أكاد أرى -عزيزي القارئ- تلك الابتسامة التي ترتسم على جانب شفتيك؟!، لكنني مؤمن جداً بأهمية أن نغرس في أبنائنا قيمة الاعتذار بأن نعتذر أمامهم عما أخطأنا فيه، الأبناء يا صاحبي يتعلمون ما يشاهدونه لا ما يقال لهم.

حدّثهم عن الصدق والأمانة وكظم الغيظ والشكر والاعتذار والتوبة ما بدا لك، يكفي أن يروك ولو مرة واحدة تخالف ما تقول كي تتحطم تلك القيم بنفوسهم، بينما اعتذارك عن ثورتك، أو عن الكلمة القاسية التي تفوهت بها لهم أو لأمهم من شأنه أن يعطيهم مدلولاً مهماً عن قيمة هذا السلوك، وفوق هذا يخفف من وطأة الخطأ الذي ارتكبته تجاه شريكك وتجاههم.

- رابعاً :
بل تستطيع أن تتحكم في أعصابك: صدّقيني
- عزيزتي الأم :
ما تقولينه حول فشلك في التحكم في أعصابك لا يقنعني، كما لن يقنعني أيضاً قولك
- عزيزي الأب:
أن هذا أمر خارج عن إرادتك، وإلا قل لي بالله عليك لماذا لم تفقد أعصابك مع مديرك وهو يطالبك بما تراه ظلماً لك، ولماذا لم تنفجر في وجه العميل السخيف الذي كان في مكتبك منذ فترة، ولا في وجه الشرطي الذي دون لك مخالفة أنت لم تفعلها

أنت في الحقيقة تتحكم في أعصابك عندما تشعر بأنك يجب أن تتحكم فيها!... بينما تجد أن تركها دون ضابط في البيت ومع الزوجة والأبناء لن يُحدث أي خسائر، بل سيجعلك تنفث عما في
صدرك، أعد التفكير يا عزيزي في هذا الأمر قبل أن تقول «هو أمر خارج عن سيطرتي»