سمعت ضحكات قادمة من بعيد نظرت فإذا هو بالساحر المرعب الذي رأيته في تلك الليلة
أخذ يقهقه عالياً وهو يقول : لقد وقعت في الفخ يا فارس !
من المؤكد بأنك شجاع أن حاولت أن تنقذ رفيقتك
صرخت بوجهه : ولماذا لا تدعوها وشأنها الآن ؟!
ابتسم الخبيث وقال : إنّ لها حساب معنا أيضاً !
ونحن أردنا أن نقتنص عصفورين بحجر واحد
هل أفهم من كلامك بأنكم لن تدعوها ؟!
هذا صحيح ! فسوف نقتلكما معاً أيها الحقيران الخائنان !!
هنا انتفضت جيانا وركلت الرجل الذي بجانبها واختطفتُ مسدسي وصوبته تجاهه فأرديته قتيلاً ثم هربنا نحو بوابة القاعة بينما بدأ يطاردنا بقية الرجال وأنا أسمع صرخات الساحر : أريدهما أحياء ... أريدهما أحياء
صعدنا الدرجات سريعاً ونحن نعدو حتى وصلنا نهاية السرداب وفجأة صرخت جيانا : انتبه يا فارس !!
رفعتُ رأسي فإذا بقطعة معدنية تهوي على رأسي ثم لم أعد أذكر شيئاً
،،،،،،،،،،،،،،،،،،
صحوت على صوت يناديني .. فارس .. فارس
فتحت عينيّ ولم أزل أشعر بألم فظيع في مؤخرة رأسي وبحركة ثقيلة استدرت إلى يساري إنها جيانا
كنّا مصلوبين على خشبات ثلاث أنا وجيانا وشخص ثالث إلى يميني مطأطأ رأسه لم أستبن وجه بعد
عرفت أنها النهاية ! لقد حضرت بمحض إرادتي لألقى حتفي هنا في هذه القلعة المهجورة ، كان شريط حياتي يفترّ أمامي وكأنه فلم سينمائي
كانت جيانا تنظر إليّ وتبكي وتعتذر : أنا آسفة يا فارس لقد كان ذلك رغماً عني
لقد أجبروني على الاتصال بك وأن أطلب منك الحضور لإنقاذي وقد وعدوني بأنهم لن يؤذوك أبداً لكنهم خدعوني .. نعم خدعوني
التفت إليها وقلت : لا عليكِ يا جيانا فأنا أستحق ما سيحدث لي ..
أرجوكِ لا تفكري بهذا الأمر !
قطع حديثنا صوت ذلك الساحر وهو يرمقني بنظرات تتقادح شرراً : لقد وقعتم في شر أعمالكم أيها الخونة !
ونحن هنا لنحتفل بقتلكم انتقاماً لشيطاننا الأعظم
إنه القداس الأسود يا خونة ... وكم سوف نستمتع بشرب دمائكم اللذيذة !
الموت للخائنين الأنذال
كانت جيانا ترتجف من هول ما تسمع
أما أنا فقد تبلدت مشاعري فلم يعد يهمني تهديده
أنا مرتاح لأني كفرت بمعتقداتهم الفاسدة والتي كادت تودي بي إلى التهلكة
كم كنت أتمنى هذه اللحظة الخالدة !!
بدأ الساحر بتلاوة قداسهم البغيض ثم قال : ( من أجلك يا حضرة الشيطان سوف نقتل هؤلاء الأشرار ! إنهم خانوك وفي بقائهم خطر على أتباعك ، أما هذه المدعوة جيانا فقد رفضت الانصياع لأوامرك وقد حاولت كشف أسرار أحبابك بكتاباتها القذرة وسوف يحلّ بها غضبك عمّا قليل ، أما هذا الشاب فارس فقد رفض الطاعة وأعلن التمرد بعد أن أكرمناه وأغدقنا عليه من خيراتك لكنه أبى إلا العصيان ، ثم التفت الساحر إلى الرجل المعلق عن يميني وأكمل قائلاً : أما جورج صرخت : ماذا ؟ جورج ؟!!
رفع جورج رأسه ثم نظر إليّ وقال : يؤسفني يا فارس بأنك لم تسمع نصيحتي !!
تساءلت بتعجب : أما زلت على قيد الحياة يا جورج ؟!
ابتسم وقال : نعم ، لا زلت على قيد الحياة لكني سأموت الآن !
وصمّ آذاننا صوت قوي عبر مكبرات الصوت : ألقوا أسلحتكم فوراً وإلا مصيركم الموت
حاولت أن أتبين ما الذي يحدث وسط هذه الرؤية المعتمة ؟!
بدأت الرؤية تتضح قليلاً ...
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
عشرات رجال الشرطة ينتشرون داخل القاعة
وهناك جثث عديدة ملقاة على الأرض
حاول الساحر الهروب لكن قبض عليه واقتيد مع بعض رجاله
دقائق معدودة تمّ كل شيء وما زلت معلقاً أنا وجيانا وجورج وهو يتشحط في دمائه
رأيت بعض رجال الشرطة يتجهون نحوي لقد كانت مشاعر لا توصف ، عادت إليّ حياتي من جديد بعدما ودعتها
أنزلني الرجال وأنزلوا جيانا ووضعوها على سرير طبي وعملوا لها بعض الإسعافات الأولية ثم أخرجوها إلى حيث يقف الإسعاف ، بينما حمل رجال آخرون جورج بعد أن تأكدوا من وفاته ووضعوه على سرير وحملوه خارجاً إلى إسعاف آخر
أثناء خروجي أتبع الرجال الذين يحملون جيانا إذ بي أقف مندهشاً لرؤيتي بيل
اقترب منّي وعانقني وهو يقول : حمداً لله على سلامتك يا صديقي ! لقد كنت شجاعاً بحق !
أبعدته عنّي وقلت : لكن ماذا جاء بك إلى هنا يا بيل ؟ ومع من أتيت ؟!!
قال وهو يبتسم : لك الفضل بمجيء إلى هنا يا فارس وقد أتيت مع هؤلاء الزملاء وأشار بيده إلى رجال الشرطة
قاطعنا أحد الجنود وهو يلقي التحية العسكرية على بيل وقال : كل شيء على ما يرام سيدي !!
فغرت فمي وقلت : هل تقصد يا بيل بأنك ..................... ؟!
نعم ، نعم ، أنا الرائد جونكل من وحدة التحري والبحث والمكلف بعملية الإطاحة بوليم وعصابته المجرمة
لقد استطاع أن يخفي شخصيته عنا جميعاً !! يا له من رجل من طراز رفيع
لكن كم تمنيت أن يحضر الرائد بيل ورفاقه قبل مقتل جورج
قلتها بصوت مرتفع قليلاً
اقترب مني بيل وقال : عفواً الرائد جونكل وليس بيل ... قالها لي وهو يضحك
معذرة يا سيد جونكل أحتاج لفترة طويلة لكي أتعود على اسمك الحقيقي
يبدو بأنك متألم يا سيد فارس لمقتل جورج ؟!!
صحيح ، كم كنت أتمنى أن حضرتم قبل ذلك
لا تهتم كثيراً يا عزيزي فهو يستحق ما جرى له
صرخت في وجهه ثم اعتذرت : عفواً سيد جونكل ! لكن لماذا هذه القسوة ؟
حسناً صديقي ...
الحكاية طويلة وجيانا قد وضعوها هناك في الإسعاف أليس من المناسب أن ترافقها ؟
أجل ، أجل سوف أفعل ، قفزت إلى جوار جيانا بينما بدأت ألاحظ عشرات سيارات الشرطة تحيط بالقلعة وهناك العديد من الإسعافات تنقل الجرحى والقتلى
بدأت جيانا تستعيد وعيها أثناء الطريق تدريجياً
حاولتْ أن تتكلم بعد أن فتحت عينيها لكنها لم تستطع ثم راحت في غيبوبة أخرى مجدداً وبعد أن وصلنا إلى المستشفى أخذوا جيانا إلى قسم الطوارئ ثم وضعوها في حجرة خاصة
كانت جدة جيانا تبكي إلى جوار سرير حفيدتها في المستشفى ، وكنت أنا والرائد جونكل نقف بجانبها ونحاول أن نبعث في نفسها الطمأنينة ببعض الكلمات
بعد أن أجرى الطبيب بعض الفحوصات التفت إلينا وقال : إنها في صحة جيدة وهي على ما يرام وليس هناك ما يدعو للقلق
سألته الجدة : ما نوع إصابتها يا دكتور ؟
ليس هناك أية إصابة ، أعتقد بأنها مجرد صدمة تعرضت لها وستكون بتمام عافيتها في أقل من يومين على الأكثر ! لكنها بحاجة إلى أخذ الدواء بانتظام
هزّت الجدة رأسها إبداء لفهمها لما قاله الطبيب
بعد ثمان وأربعين ساعة استفاقت جيانا من غيبوبتها وبدأت تتأمل فيمن حولها
وعندما رأتها الجدة تبتسم إليها لم تتمالك نفسها وألقت بنفسها عليها وراحتا في موجة بكاء طويلة
قالت الجدة وهي تكفكف دموعها : حمداً لله على سلامتكِ يا صغيرتي ، كنتُ قلقة عليكِ يا حبيبتي
ابتسمت جيانا وهمست وهي تنظر إليّ : أشكري هذا الفتى الشجاع فلولاه لكنت الآن في عداد
الموتى ... ثم تساءلت : لكن ماذا حدث وكيف جئت أنا هنا إلى المستشفى ؟
ضحكنا جميعاً : ثم أجابتها الجدة : سوف تعرفين كل شيء لكن المهم الآن كما قال الطبيب تناول الدواء والراحة التامة ثم نظرت الجدة إليّ :
الحقيقة يا فارس كلماتي عاجزة عن شكرك على كل ما فعلته من أجل جيانا
طأطأت رأسي خجلاً ثم قلت وأنا أشير إلى جونكل : أظنكما نسيتما بيل السائق المتواضع فهو رجل المهمات الصعبة
تساءلت جيانا : بيل وماذا فعل ؟
ضحكتُ : أوه يا عزيزتي يبدو بأنني نسيت أن أعرفكِ على الرائد جونكل المكلف بقضية وليم ؟
وضعت جيانا يديها على رأسها : ماذا تقول ؟! الرائد جونكل ...!!!
نعم عزيزتي ... لقد تفاجأتِ كما تفاجأت أنا وجدتكِ من قبل
فالرائد جونكل كان له الفضل بعد الله في إنقاذنا هو ورجاله المغاوير
لم تزل عينا جيانا بكامل اتساعهما من أثر هذا الخبر
ثم أكملت : لكنه قد رفض أن يفكّ شفرات هذه القضية إلا بحضوركِ أنتِ والجدة الغالية !!
ابتسمت جيانا وهي تنظر إلى جونكل : هذا لطف منك عزيزي بيل
تدخلت الجدة : إنه السيد جونكل وليس بيل يا جيانا
ضحكنا جميعاً ثم قالت الجدة : ما رأيكما أن تكونا في ضيافتي غداً في كوخي الصغير فقد وافق الطبيب على خروج جيانا هذه الليلة ثم نظرت إلينا وأردفت قائلة : أظنّ أنكما لا تمانعان ، أليس كذلك ؟
تبسمت وقلت : أما أنا فليس لديّ اعتراض لكن ما رأي حضرة الرائد ؟ قال جونكل وهو يربت على كتفي : من المؤكد ذلك فمن الذي سيقوم بتوصيلك يا سيد فارس ؟؟؟
بعد أن تناولنا الشاي الذي أعدته جيانا .. استأذنت من صاحبة الكوخ أن أبدأ أطرح أسئلتي على الرائد جونكل فهناك الكثير والكثير من الأسئلة والألغاز المحيّرة التي مرّت عليّ خلال الأسابيع المنصرمة منذ قدومي إلى واشنطن وحتى لحظة اقتحام القلعة المرعبة
- قال الرائد جونكل – وهو يضع قدح الشاي أمامه - : تفضل يا سيد فارس سأجيبك على قدر معرفتي .. إلا أنني أعلم بأنك استطعت معرفة بعض الألغاز بنفسك فقد قلت لي ذلك أثناء قدومنا إلى هنا
- ضحكت وقلت : صحيح ، ولكنها ضئيلة
- لا ، أبداً ليست ضئيلة !! لقد استطعت فكّ شفرة الأرقام 666 والأحرف fff
وكذلك توصلت بنفسك لمعرفة علاقة وليم بمقتل المهندس سون وزوجته والدا جيانا
هنا نظرت لجيانا وقد أرخت طرفها إلى الأرض يبدو بأننا قد أثرنا أحزانها ..
استطرد الرائد جونكل قائلاً : واكتشفت أيضاً بأنّ جيانا ليست ابنة وليم
نظرت إلى الجدة وقلت : جدتنا العزيزة هي التي أخبرتني بالحقيقة عندما أخفيتها عني أنت ! كم غضبت عليك في ذلك اليوم !!
ضحك جونكل وقال : اعذرني يا صديقي فلم أستطع أن أخبرك مع معرفتي لذلك لأني أردت أن تصل أنت بنفسك للحقيقة
- ولماذا لم تخبرني وتريحني ؟!
- ستفوتك متعة الاكتشاف يا صديقي ثم إني كنت أنوي إخبارك لكني عرفت بأنّ الجدة قد أخبرتك ؟
- وكيف عرفت ؟
- ألم تذكر إطعامي تلك العنزة الصغيرة
- أوه إذاً أنا كنت على حق .. كنت تسترق السمع
- ضحكنا جميعاً
- حسناً أيها الرائد العظيم سوف أبدأ معك التحقيق الآن
- وسط ابتسامة مشرقة قال الرائد جونكل : تفضل فأنا على أتمّ استعداد
- الحقيقة لا أدري من أين أبدأ لكني سوف أطرح أي سؤال يخطر في ذهني وأنا هنا أطلب من جيانا وجدتنا الغالية ألا يكونا مستمعات فحسب فلهنّ الحق في طرح الأسئلة والاستفسار أيضاً
- لنبدأ من آخر الأحداث ، أحداث تلك الليلة المرعبة ، كيف تعرفتم على مكان القلعة مع أنهم كانوا حريصين على كتمان مكانها عن كل الناس إلا أتباعهم ؟!
- حسناً ، أتذكر في الليلة التي أخذك فيها وليم إلى تلك القلعة
- نعم أذكر وهل تنسى تلك الليلة ؟!
- لقد قمت بمتابعتكما بسيارتي الخاصة !!
- آه هذا عظيم ، إذاً لم تكن نائماً كما حدثني وليم ؟!
- هو كان يظنني بأني نائم وقد تأكد بنفسه ودخل غرفتي وقد تظاهرت بالنوم !
- هل تقصد بأنه كان يشكّ فيك يا سيد جونكل
- بكل تأكيد ، فأنا وإن بذلت جهودي في كسب ثقته وأن أتصرف بشكل طبيعي إلا أنه كان لا يصحبني في مواعيده الخاصة والمهمة
- حسناً وكيف عرفت بأنني سأتوجه إلى القلعة ليلة اقتحامكم لها ؟
- هذا أمر سهل ..
- استخرج جونكل جهاز تسجيل وبدأ بتشغيله
كانت المحادثة التي تمت بيني وبين جيانا عندما اتصلوا عليّ في مساء ذلك اليوم
كنا أنا وجيانا ننظر إلى بعضنا ونبتسم ونحن نستمع للذعر الذي يقطر من أصواتنا
وعندما انتهى التسجيل قلت : لقد كان هاتفي مراقباً إذاً ؟!!
قال جونكل : كل ما يتعلق بوليم كان مراقباً
وهنا أحب أن أخبرك بمعلومة مغايرة يا سيد فارس
نظرت إليه باهتمام !
ثم أكمل : في كل السيارات التي يستخدمها وليم يضع فيها أجهزة تصنت ، فكما نحن نراقبه هو أيضاً يحاول مراقبتنا
أتذكر يوم أن ذهبنا للجامعة وأخبروك بتوقف إجراءات قبولك
- نعم أذكر جيداً
- لقد كنا مراقبين من وليم وكان يضع جهاز تسجيل في السيارة لذلك أغلظت لك بالقول عندما لمتك على عدم حضور الجلسات التي تقوم بها الجامعة
- آه ، لقد فهمت الآن ... كنت تريد أن يطمأن لك وليم ؟!!
- نعم ، هو كذلك
- يا لك من ماكر ! لكني قد غضبت عليك حقاً ؟!
- حسناً يا صديقي لن أكررها مرة أخرى
- ضحكت من تعليق جونكل
- وبدون مقدمات سعلت الجدة عدة سعلات فعل من يريد التحدث نظرنا إليها جميعاً ثم قالت : يا لهم من أوغاد إنهم لا يتورعون عن قتل كل من يقف أمامهم
لقد قتلوا ولدي وزوجته بالسبب الذي أرادوا من أجله قتلك يا فارس
- هنا تدخلت : عفواً يا جدتي ... لقد قلتِ لي بأنهما قد ماتا في حادث مروري
- هذا صحيح يا بنيّ ! لكنه حادث سير متعمد !!
- أدرت وجهي بالكليّة إليها وأنا أقول في نفسي : لقد انفرط عقد الحقائق هذه الليلة !!
- قالت الجدة : لقد كان ابني سون وزوجته من أصدقاء عائلة وليم كما ذكرت لك
ولقد حدث معهم ما حدث لك في بداية انضمامك إلى أولئك الملاعين !
- أتقصدين بأنهم قد أخذوهم إلى تلك القلعة المقيتة ؟
- نعم ، هو كذلك
- وهل انضموا إليهم
- من المؤكد أن يفعلا ذلك ! ألم تجرب أنت بنفسك كيف يجبرون الأبرياء على الموافقة ؟!
- هنا تذكرت المشهد الفظيع الذي عشته حتى وافقت رغماً عني وقلت : بالتأكيد قد رفضا الاستمرار معهم كما فعلت أنا ؟
- هذا صحيح بنيّ ، خاصة بأنهم طلبوا منهما أن يقتلا ابنتهما جيانا في سبيل الشيطان كما فعلت عائلة وليم وعندما رفضا دبروا لهما من ضايقهما حتى صدمت سيارتهما بعمود إنارة وماتا على الفور
- نظرت إلى جيانا وهي تبكي وتقول : لقد ضحيا بنفسيهما من أجلي لو أنهما قتلاني لكانا اليوم على قيد الحياة
ثم انخرطت في موجة بكاء حادة
خيّم الصمت على الجميع .. كانت لحظات قاسية بالفعل لقد شعرت بأنني بحاجة إلى قلب آخر ومشاعر مئة شخص حتى أسيطر على انفعالاتي في تلك اللحظات المريرة
بعد دقائق رفعت جيانا رأسها واعتذرت بلطف قائلة : عفواً لقد قطعت عليكم حديثكم ، بإمكانكم إكماله
حاولتْ أن تتماسك برغم ما علا وجهها من ذبول
- الحقيقة لم أعد أشعر برغبة جادة في إكمال الحديث فساد صمت مطبق
إلا أنّ جيانا أصرت على أن نكمل
- وجهت سؤالي إلى جونكل : وهل قتل وليم وزوجته أحد أبنائهم ؟
- قال جونكل : نعم فقد قتلوا ابنهم الأكبر ، لقد تحجرت قلوب هؤلاء
- صحيح لقد تحجرت قلوبهم ثم قلت : مادام بأننا قد تحدثنا عن عائلة جيانا فليتك يا سيد جونكل تخبرنا عن ملابسات عملية خطفها ؟
- قال جونكل : ها هي أمامك فاسألها !
- معذرة جيانا إن كنتِ لا تستطيعين الحديث الآن فسوف نجعله في وقت لاحق
- ابتسمت وقالت : أنا بخير وبإمكاني سرد قصتي عليكم
- قالت : في ليلة من الليالي وتحديداً في بداية الشهر الثاني من وفاة والديّ
وحينما كنت أتمشى في حديقة منزل وليم سمعت محادثة جرت بينه وبين زوجته السيدة ليندا وقفت عند النافذة لأستمع لهما عن قرب
كانت أصواتهما مرتفعة لذلك لم يخفَ عليّ شيء من حديثهما
كانت هناك حفلة فما يبدو في الليلة التالية وقد فهمت بأنّ ليندا ترفض حضورها لكن وليم يصرّ عليها حتى احتدم النقاش بينهما وصرخ وليم في وجه زوجته وقال لها : أيعجبك أن تكوي على جبهتك بالحدائد المحماة هناك في القلعة أو ينتفون أظافركِ بآلة معدنية ثم يبعثون أحدهم ويضايقنا بسيارته حتى تنقلب سيارتنا أو نضرب بعمود إنارة كما فعلوا بعائلة سون
كانت صدمة عنيفة عليّ .. وقد شهقت شهقة عنيفة هربت على إثرها إلى داخل البيت وتوجهت إلى غرفتي وأغلقت الباب عليّ وأخذت أبكي طوال تلك الليلة وفي نهاية الأسبوع حضرت هنا عند جدتي وأخبرتها بالخبر ثم كتبت تلك الرواية التي قرأتها وبعدها بفترة زرتنا أنت في بيت وليم وبعد أن أعطيتك الرواية لكي تقرأها تساءل وليم عن الأوراق التي أعطيتك إياها فقلت له : بأنها مجرد رواية من تأليفي لكنه أصرّ عليّ حتى أريته نسخة أخرى لديّ
عندها غضب من ذلك أشد الغضب وعندما استفسرت عن سبب غضبه أجابني : بأنه لا يجب عليّ أن أعطيها رجل غريب فهي رواية ممتازة وربما سوف يسرقها هذا الشاب ثم يدعي بأنها له وينشرها باسمه لكني لم أقتنع بالسبب الذي ذكره لي وعرفت بأنه قد اكتشف بأنني علمت بالقصة فأنا شعرت بأنه هو وزوجته قد عرفا بأني قد سمعت محاورتهما في تلك الليلة
- هل أفهم من كلامكِ يا جيانا بأنّ زوجته من ضمن أفراد الجماعة ؟!
- نعم ، وهي وإن كانت قليلة الحضور لاجتماعاتهم إلا أنها على صلة قوية ببعض أصدقاء وليم من رجال القلعة
- تفضلي أكملي
- في صباح يوم السبت الماضي خرجت على عادتي للإتيان هنا عند جدتي وقد كنت آتي عن طريق القطار لكنّ وليم سألني وأنا خارجه إلى أين تريدين الذهاب فأخبرته بالأمر ؟
فقال لي : إنه منذ مدة لم يقابل جدتي وأيضاً هو يريد أن يستنشق هواء البلدة العليل
وسوف يوصلني هناك ثم سيمكث قليلاً لدينا ويعود مرة أخرى
رحبّت بالفكرة وركبت معه في سيارته لكنه بدل إيصالي هنا اختطفني إلى القلعة المهجورة ثم سلمني لأصحابه الذين قاموا بحبسي في غرفة صغيرة
- عضضت على شفتيّ وقلت بغيظ : يا له من مجرم ؟ لكن لماذا اختطفكٍ يا جيانا ؟
- لقد عصيت الأوامر كما فعلت أنت يا فارس ؟
- هل تقصدين بأنهم حاولوا إدخالكِ إلى جماعتهم اللعينة ؟!
- لا ، لكنهم بعد اختطافي أجبروني على الاعتراف عن سبب كتابة روايتي فأخبرتهم عن ما سمعته من وليم وهو يحدث زوجته في تلك الليلة فعرفوا بأني قد كشفت مؤامرتهم فأرادوا التخلص مني ثم إنهم قاموا بالإيقاع بك عن طريقي وجعلوني أتصل بك في ذلك المساء
تدخل الرائد جونكل وقال : هؤلاء الأبالسة لا يتورعون عن قتل أي أحد حتى وإن كان ابناً أو ابنة أو حتى أحد والديهم ....
بل على العكس كلما كانت درجة القرابة قريبة كانت المكانة للعضو أكبر ... إنهم يستمتعون بالدماء ويتلذذون بمذاق اللحوم البشرية
اقشعرّ جلدي وأنا أستمع لجونكل وتذكرت حينها عبارتهم في الإنجيل الأسود في الحث على قتل الأطفال والتمتع بأكل لحومهم
سكتنا قليلاً ثم أحببت أن نخرج عن جوّ القتل والاختطاف فتساءلت :
- سيد جونكل هو سؤال شخصي لو سمحت
- نعم تفضل
- هل تمّ إيقاف إجراءات قبولي في الجامعة بسبب وليم ؟!
- توقعك في محله عزيزي
- إذن هو لم يخدمني من أجل الصداقة التي كانت تربطنا ؟
إنّ مكانة العضو لديهم بقدر ما يجلب من أعضاء فكلما أتى بعضو إضافي كانت له امتيازات خاصة إضافية ؟!!
- امتيازات !! مثل ماذا ؟
- كل شيء : مال – نساء – مكانة مرموقة – تيسير معاملاته الشخصية وإلى غيرها والشيء المهم لهم بأنّ الشخص الذي يتمتع بهذه المزايا يمنح فرصة أكبر لتولي رئاسة القلعة – وهي أمنية غالية يطمح له الكثير من أفراد الجماعة –
- ولماذا ؟!
- لأنها أرفع منصب في الجماعة فالرئيس يستطيع أن يسيطر على كل أفرادها ولن يعترض على قراراته أحد إنها سلطة مطلقة بدون قيود وضوابط
- أفهم من كلامك بأنّ الرئيس يتمّ انتخابه ؟
- صحيح هم يجرون انتخابات سرية كل سنتين فتوضع الأسماء المرشحة للمنافسة ؟ ويبدأون بالتصويت
- وهل هناك شروط معينة للمرشح ؟!
- طبعاً ، من أبرزها أن يكون قد مضى عليه في الجماعة أكثر من خمس سنوات وكذلك أن يكون قد أدخل إلى الجماعة ما لا يقل عن عشرة أشخاص وأيضاً ذبح أحد أقاربهم وتقديمه قرباناً للشيطان وكذلك من الشروط البارزة أن ينشأ خلية أخرى في دولة ثانية غير الولايات المتحدة
- آه ، لقد فهمت الآن ! كان وليم يريدني أن أكون داعياً شيطانياً بين أبناء وطني ؟!
- كلامك صحيح , وأظنّ بعضهم قد نجح في ذلك ، فعبّاد الشيطان ينتشرون انتشاراً مرعباً في كل القارات الست ومما يساعد على انتشار أفكارهم أنّ بعض الحكومات تسمح لهم بممارسة أنشطتهم
- لكن يا جونكل ؟ لماذا قمتم بمداهمتهم إذاً ؟!
- ضحك جونكل وقال : وهل تريدنا أن تفرج عليهم وهم يذبحونك أنت وجيانا
- خجلت وقلت : يا له من سؤال غبي حقاً ؟!
- لكن هل تعرف يا سيد جونكل كم أدخل وليم من أفراد ؟؟
- لست متأكداً لكن الذين أعرفهم ثمانية أشخاص بما فيهم أنت
- ومن هم السبعة المتبقون ؟
- زوجته ليندا ووالدي جيانا ولودي المضيفة والسيد ستيف وزوجته وكذلك جورج !
- ضربت جبهتي بيدي ... أوه لودي يا لها من شريرة !!
- قال الرائد جونكل : لقد قتلت مع وليم في تلك الليلة ؟
- اندهشنا جميعاً وتساءلنا : وهل قتل وليم ؟
- قال جونكل : نعم لقد حاول المقاومة بعد أن وجدناه هو ولودي في غرفة مجاورة فأشهرا سلاحيهما تجاهنا فأرداهما رجالنا أرضاً
- لقد لقي جزاءه ... قلتها وأنا مغضب لكن ألم تخبرني يا جونكل بأنه قد سافر ؟
- صحيح لقد قال لي ذلك لكنها كانت مجرد خدعة
- لكن لماذا حضر وهو يعرف بأننا سنقتل ؟
- أظنه حضر ليشاهد حكم الإعدام بحقكما لكنهما كان ينظران من غرفة مجاورة حيث وجدناهما
- ضحكت جيانا وقالت : ربما نزلت على قلبيهما الرحمة فهما متأثران لما سوف يقع لنا !
- هنا تذكرت جورج فقلت متعجلاً : والآن يا سيد جونكل بقي أن تخبرنا عن جورج ما هي قصته ؟!! لقد كان معي في الطائرة عند قدومي
كانت تصرفاته غريبة وهو من قام بتحذيري من وليم !!
قبل أن يتكلم جونكل رنّ صوت هاتفه النقال
تكلم مع المتصل بهدوء ثم استأذن في الخروج لعدة دقائق
سمعنا صوت سيارة قادمة ثم توقفت للحظات وبعد ذلك انصرفت
نظرت إلى جيانا وجدّتها وأنا أضحك وقلت : لعلها مهمة جديدة للرائد المغوار
قالت الجدة : إنني أرأف بحال هؤلاء المناضلين ... كم يشقون من أجلنا !!
لم أستطع التعليق فقد دخل جونكل .. كانت تعابير وجهه ضاحكة ثم قال مباشرة : كنت أتمنى ألا تسألني عن قصة جورج إلا في آخر حديثك وقد فعلت يا فارس !!
تساءلت ولماذا ؟!
قال جونكل - وقد تلعثم - : لأنّ قصته طويلة !!
حسناً عزيزي هيّا فقد شوقتني كثيراً
بدأ جونكل بسرد قصة جورج : كان جورج اليد اليمنى للدكتور وليم وأستطيع أن أقول بأنه العقل المدبر لكل خطط وليم فهو يمتلك عقلية جبارة مقارنة بعقلية وليم المادية البحتة
قاطعته جيانا وقالت : معذرة : هل أعرف أنا ذلك الشخص ؟!
قال جونكل : أنتِ تعرفينه تمام المعرفة ... إنه الرجل الذي كان مصلوباً لجواركما أنتِ وفارس
بدا علي جيانا التأثر وقالت : لقد كنت أراهم يعذبونه بشدة طيلة يوم كامل وهو يصرخ ويستغيث كم أنا حزينة عليه لا بدّ بأنه قد ظلم
أبديت أسفي : فعلاً لقد كان مقتله مريعاً لكن يا سيد جونكل قد قلت أنت بأنه يستحق ما جرى له ؟ فلماذا ؟!
هذا صحيح فهو قد لقي جزاؤه المستحق ... اسمعوا يا سادة إنّ جورج هو الذي تسبب في حادث سيارة والديكِ يا جيانا !
صرخت جيانا وقالت : عليه اللعنة هل هذا صحيح ؟!
وقبل أن يجيبها جونكل تدخلت العجوز لكن لماذا قتلوه وقد قدّم لهم ما يرضيهم ؟!!